4.10.05

علـــــــى المحطـــــة

كانت هناك تقف فى انتظار الحافلة، لقد مر عليها وقت طويل وهى واقفة هكذا - ربما ليس عندها ميعاد تلتزم به... و لكن ألم يصبها الملل؟ لقد مرت العديد من الحافلات على تلك المحطة ولم تركب أى منهم، ترى ألم تأتى حافلتها، أم هى لم تلاحظها؟ هل تريد مساعدة حتى تعرف أى حافلة تركبها؟ ولماذا لا تسأل من حولها؟
ربما هى الآن صافية الذهن تماماً لا يشغل بالها أى شئ، و ربما تكون مشغولة الذهن تماماً من يدرى. تفكر فى مئات المهام المطلوبة منها، أو المئات الاخر التى أنجزتها وتنتظر نتيجتها. من يدرى فقد تكون فى مأزق أو مشكلة ومنعها التفكير فيها من ملاحظة مرور الوقت وهى واقفة فى انتظار الحافلة. أحقا هى لا تلاحظ أن الوقت يمر وربما تأتى الحافلة فى النهاية ممتلئة بالبشر كالعادة فلا تجد لنفسها مكاناً فيها؟ لماذا لا تحاول أن تبحث عن وسيلة أخرى تنتقل بها؟ ربما ليس معها ما يكفى من نقود إلا لتركب هذه الحافلة التى تنتظرها بلا أمل فى ظهورها. ربما مشوارها بعيد ولن تجد سيارة أجرة يرضى قائدها أن يحملها إليه... لا أعلم ... ولكن يبدو أنها انتظرت كثيراً فى حياتها، الصبر يبدو واضحاً على ملامح وجهها، شعرها الأبيض يدل على أنها تحملت الكثير خلال سنوات عمرها التى تعدت الخمسين. ملامحها لا تخلو ابدا من الصرامة الممتزجة بالطيبة التى تتميز بها الأم المصرية، فهى من هذا النوع من النساء الذى يبدو وأنه قضى معظم عمره فى المنزل، ولكنهن اكتسبن خبره وحكمه فى الحياة أكثر كثيراً ممن قضوا كل الوقت فى مكاتب وأروقة العمل والأنشطة المختلفة
حقاً فالحياة تعلم الكثير وتحفر فى كل إنسان علامات مميزة لا يضاهيها أى حفر آخر، حفر معقد فى تفاصيله فقد أخذ سنوات العمر كلها ليكون. كل يوم يمر على النفس تتعلم فيه وتعلم، تقوم بواجبها تجاه الحياة ... فتكون النتيجة حفر جديد كبر أو صغر، عمق أو تهمش، فهو فى نهاية الأمر جزء من اللوحة النهائية التى تميز المرء وتجعله فريداً، وحيداً فى هذا الكون
كانت لوحة هذه السيدة غير واضحة المعالم للعين المجردة، فقط أم وربة منزل وهناك آلاف مثلها، أو هكذا يظن من يراها لأول وهلة. ولكن إنتظارها كل هذه المدة هو حقاً يثير التعجب، من يدرى ما ذا يجول بخاطرها، من يعلم ما يشغل بالها.. من يستطيع أن يجزم بما يراه لأول مرة؟
يتزاحم الناس حولها ولا تشعر، يهرول الجميع من حولها ، يتنبهون فجأة ويتجمعون، ثم يتبعثرون ثانية. يجرون ناحية أى حافلة قادمة، ولكن هى تظل ثابتة لا يعنيها ما يدور وما يفعلون، صامتة، صامدة، لا يعنيها........ ولكن.... مهلاً.... ما هذا؟
ما هذا الذى يحدث ، الصورة تتبدل فجأة ، الحفر يتهشم فيظهر آخر، إنها تبكى!! نعم تبكى فى صمت وعلامات الحزن بادية الآن على وجهها ... تبكى وكأنها أدركت فجأة، أدركت أن عمرها سرق.. أو ان احد أبنائها قتل! نعم فهى تبكى بحرارة غريبة... كيف وصلت لهذه الدرجة من البكاء بهذه السرعة؟ أوتراها تبكى منذ البداية ولم يلحظها أحد. استحالة!! يبدو وكأن حملها الثقيل بدأ يؤلمها، يؤلمها بشدة ، أصبح أثقل وأشد وطأة ، فناءت بحملها المسكينة. كثرت المشاكل فجأة وتكاثفت، اتحدت جميعها ضد سعادتها وراحة بالها، نفذت مخططها لتحويل حياتها لتعاسة لا مفر منها، حتى جاءت لحظة الإنفجار فى وقت غير متوقع ، ومكان لا يصلح لمثل هذه اللحظات: لحظات الضعف الذى يصيب النفس والروح.. فلا يقويان على فعل أى شئ إلا الإستسلام ، رفع الراية للوقت والبكاء طلباً للراحة ولو مؤقتاً ، فسرعان ما يعود الإنسان للواقع ويواجه مشاكله التى لن تحل بالإستسلام ، بل بالمثابرة
نعم فتلك هى الحياة: عادلة لا تعطى بدون أن تأخذ ولا تمضى على وتيرة واحدة بل تتبدل دائماً وتتحول فتجعل الأعين تتلفت دائماً بحثاً عن حلول أو طرق أو محاولات فهم وتأقلم مستمرة
ترى ماذا فعلت بك الحياة لتقفى هكذا تبكى وحيدة وحائرة، أهى ضائقة مالية أم ابن غائب أم مرض أم ماذا... لابد وأن لديك سبب وجيه يحملك على ما أنت فيه، ليعطيك الله قوة لتعبرى بها محنتك وتواجهى مشاكلك، فلسوف تتحسن الظروف بالتأكيد بعد زمن، طال أو قصر ولكن لابد من التغيير، فهذه هى سمة الحياة التى لا تتغير
20-10-1999

2 comments:

Na22ash said...

1999؟؟؟
عايزة تفهميني أنك كتبتي الكلام ده واحنا في أولى كهربا؟؟؟؟!!

قصة قصيرة رائعة بجد ... ولا يوسف إدريس في زمانه :)

Lilli said...

تصدق يا رامى ما حسبتها بس واضح كدة من التاريخ، أنا كل حاجة بحط عليها التاريخ ساعة كتابتها... بيتهيألى ان الكآبة اللى فالقصة مناسبة فعلاً مع أحزان وآلام أول زفت كهربا
وما أدراكم ما هى أولى كهربا
عجبى :D